أقوال عن لبنان
لبنان، هذا البلد الصغير في الجغرافيا، الكبير في التاريخ، المجيد في الثقافة، والمأساوي في صراعاته، لطالما شكّل مادة خصبة للأقوال والحكم والاقتباسات، حيث كان مادة للتغني والوصف، وللمديح والنقد، وللتأمل في تناقضاته. يعتبر لبنان من أكثر الدول التي استأثرت باهتمام الكتّاب والمفكرين والشعراء والمثقفين، نظرًا لتاريخه المتنوع، وغناه الثقافي، وجماليته الطبيعية التي تتلاقى فيها الجبال مع البحر، وتلتقي فيها الحضارات القديمة مع الحداثة العصرية.
إن لبنان لم يكن فقط موضوعًا للأقوال، بل كان في ذاته قولًا حيًّا، يجسد في ملامحه الحكايات والأساطير، وينبض في وجدانه صوت الفن والعنفوان. في هذا المقال الموسع، سنستعرض أشهر الأقوال عن لبنان، ونتأمل فيها من زوايا مختلفة، متتبعين الأثر الفكري والثقافي والسياسي الذي خلفته هذه الأقوال على فهمنا للبنان كهوية وتاريخ ومعاناة وأمل.
لبنان في أقوال الشعراء والأدباء
لطالما شكل لبنان ملهمًا للشعراء والأدباء العرب والعالميين، من خلال طبيعته الساحرة، وثقافته المنفتحة، وتاريخه الغني. ومن أبرز ما قيل فيه:
جبران خليل جبران، أحد أعظم الكتّاب اللبنانيين، وصف وطنه بالقول:
“لكم لبنانكم ولي لبناني.”
هذه العبارة تحمل في طياتها التعددية والتناقضات التي يعيشها هذا البلد، وتدل على النزعة الشخصية في تعريف الهوية اللبنانية التي تختلف باختلاف التجربة والمنظور.
وقال أيضًا:
“ويل لأمة تكثر فيها المذاهب وتخلو من الدين.”
في إشارة إلى انقسام الطوائف والمذاهب في لبنان وتضاؤل القيم المشتركة التي توحد الشعوب.
أما ميخائيل نعيمة فقال في وصف حال لبنان:
“لبنان بلا عروبة كشجرة بلا جذور.”
في هذا القول نجد دعوة للتمسك بالهوية القومية والانتماء العربي، بعيدًا عن التقوقع الطائفي أو الانغلاق الثقافي.
وقال الشاعر بدر شاكر السيّاب:
“لبنان يا خمرةَ الروحِ التي رَوَتْ عطشَ الشعراءِ، يا نبضَ القصيدةِ التي لم تزلْ تكتبُ الزمانَ فوق الجراح.”
يشير هذا القول إلى كيف شكّل لبنان وحيًا شعريًا دائمًا، تغنّى به الشعراء حتى في لحظات النزف والانكسار.
أقوال السياسيين والمفكرين عن لبنان
السياسة في لبنان معقدة ومتشعبة، وقد كانت مصدرًا دائمًا للأقوال التي تعكس إما الإعجاب بلبنان أو التحسر على واقعه، أو حتى التحذير من مصيره.
قال الرئيس المصري جمال عبد الناصر:
“لبنان هو أخطر نقطة ضعف في الجسم العربي.”
تعبير يحمل كثيرًا من الدلالات، أبرزها هشاشة الوضع السياسي اللبناني، وتأثيره المتبادل مع محيطه العربي، وقدرته على أن يكون شرارة للاضطرابات الإقليمية.
وقال الجنرال ديغول، رئيس فرنسا الأسبق:
“لبنان رسالة حضارية قبل أن يكون دولة.”
وهذا الوصف يدل على الطبيعة الفريدة للبنان كمكان يختصر الحضارات والثقافات في بقعة صغيرة، ويعكس التنوع والتعايش رغم التحديات.
أما هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، فقال في إحدى المناسبات:
“من يسيطر على لبنان يملك مفتاح الشرق الأوسط.”
وهذا القول يعكس الأهمية الاستراتيجية للبنان في صراعات القوى الكبرى، ودوره المحوري في التوازنات الإقليمية والدولية.
لبنان في الأقوال الشعبية والحكم الموروثة
الحكمة الشعبية اللبنانية تمتلئ بالتعابير التي تعكس نظرة المجتمع اللبناني إلى ذاته ومحيطه، ومنها:
-
“لبنان بلد العجايب: فيه بتصحى الصبح على صوت فيروز، وبتمسي على صوت الرصاص.”
هذا القول الشعبي يُجسد المفارقة التي يعيشها اللبناني يوميًا، حيث يتعايش الجمال مع العنف، والفن مع الألم. -
“كل شي بيمرق، إلا الأزمة بلبنان بتطوّل.”
فيه تعبير ساخر عن دوام الأزمات في البلاد، وعدم وجود حل جذري يُخرجها من دوامة المشاكل المزمنة. -
“إذا بَدّك تعرف قيمة لبنان، شوفه من بعيد.”
يشير إلى أن اللبنانيين كثيرًا ما يستهينون ببلدهم، في حين يراه الآخرون كتحفة حضارية وجمالية.
لبنان: بين الجغرافيا والهوية
رغم صغر مساحته، فإن لبنان يتمتع بتنوع طبيعي لا مثيل له في المنطقة. الجبل والبحر والسهل والثلج يجتمعون في إطار مكاني واحد. وقد قال وليد جنبلاط ذات مرة:
“لبنان كذبة جميلة نعيشها، لكنه مهدد دائمًا بأن يصبح حقيقة بشعة.”
وهنا يتجلى القلق المزمن من التحول من الرومانسية الثقافية إلى واقع سياسي وأمني متدهور.
وفي وصفٍ شعري فائق الجمال، قال نزار قباني:
“لبنان ليس وطنًا… بل هو مجموعة من القصائد المتناثرة على ضفاف البحر.”
كلمات تعكس الحب الكبير للبنان كمكان شعر وعاطفة، لا كحدود سياسية فقط.
لبنان والاغتراب: وطن يعيش في القلوب
لبنان من أكثر الدول تصديرًا للهجرة، الأمر الذي ولّد أقوالًا عديدة تصف علاقة المغترب ببلده، منها:
“لبنان لا يتركك، حتى ولو تركته.”
وهو قول يتردد كثيرًا في أوساط اللبنانيين المغتربين، إذ إن الحنين للوطن يبقى ساكنًا في القلب مهما ابتعد الجسد.
قال الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف:
“لبنان هو الجرح الذي لا يلتئم، والحب الذي لا يموت.”
وهذه العبارة تُلخّص علاقة المغترب اللبناني بوطنه؛ علاقة مؤلمة ولكنها أبدية.
لبنان: رمز التناقضات والتجدد
من أهم ما يقال عن لبنان أنه بلد التناقضات. فيه تجد الفقر الفاحش بجانب الثراء المذهل، الجهل بجانب الثقافة الرفيعة، الموت بجانب الإبداع. هذه التناقضات هي ما جعلت من لبنان مادة للأقوال المتجذرة في الذاكرة الجماعية.
“في لبنان، تمشي في شارع واحد وتدخل في خمسة عوالم مختلفة.”
دلالة على التنوع الطائفي والاجتماعي والثقافي في بلد صغير المساحة.
وقال المفكر أنطون سعادة:
“لبنان وطن له روح لكنه لا يعرف جسده.”
إشارة إلى ضياع الانتماء الوطني أمام الانتماءات الطائفية والمناطقية.
لبنان في كلمات فنية وموسيقية
الفن اللبناني أيضًا ساهم في خلق تراث غني بالأقوال المأثورة، عبر أغاني فيروز، وصوت وديع الصافي، وكلمات منصور الرحباني.
قال منصور الرحباني:
“لبنان صورة سماوية شوهتها أيدي البشر.”
كلمات تختزل الألم والحسرة على ما آل إليه بلد كان حلمًا حضاريًا.
وغنّت فيروز:
“بحبك يا لبنان يا وطني بحبك، بشمالك بجنوبك، بسهلك بحبك، بجبلك.”
أصبحت هذه الكلمات رمزًا للهوية الوطنية، تُرددها الأجيال كأغنية حب للوطن.
جدول: أبرز الأقوال عن لبنان ومضامينها
| القائل | القول | دلالته الرئيسية |
|---|---|---|
| جبران خليل جبران | لكم لبنانكم ولي لبناني | تعددية الرؤية للهُوية اللبنانية |
| جمال عبد الناصر | لبنان هو أخطر نقطة ضعف في الجسم العربي | حساسية الموقع السياسي اللبناني |
| أمين معلوف | لبنان هو الجرح الذي لا يلتئم، والحب الذي لا يموت | ارتباط المغترب العاطفي ببلده |
| نزار قباني | لبنان ليس وطنًا بل قصيدة | شاعرية الصورة اللبنانية |
| فيروز | بحبك يا لبنان | رمز الحب الوطني الصادق |
| أنطون سعادة | لبنان وطن له روح لكنه لا يعرف جسده | فقدان المعنى القومي أمام الطائفية |
| هنري كيسنجر | من يسيطر على لبنان يملك مفتاح الشرق الأوسط | الأهمية الجيوسياسية للبنان |
| بدر شاكر السيّاب | لبنان يا خمرةَ الروحِ التي رَوَتْ عطشَ الشعراءِ | لبنان كمنبع للوحي الشعري |
الخلاصة
لبنان بلد الأقوال، لأن تاريخه وواقعه يستدعيان التأمل الدائم. إنه بلد لا يُلخَّص بعبارة، بل هو تجميع لمتناقضات تثير الحيرة والإعجاب في آن واحد. أقوال المفكرين والشعراء والساسة تعكس محاولاتهم لفهم هذه الظاهرة الحضارية والثقافية التي تُدعى “لبنان”، ولكنها في نهاية المطاف تبقى محاولات للإمساك بسحرٍ يتجاوز التعريفات، بجمالٍ يعاند الخراب، وبهويةٍ تصر على الحياة رغم كل المآسي.
المراجع
-
جبران خليل جبران، “الأعمال الكاملة”، مؤسسة نوفل، بيروت.
-
أمين معلوف، “الهويات القاتلة”، دار الفارابي، بيروت.
